ثلاث قوى فعالة

facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

 

بدءً أود أن أعتذر للقارئ لأنى لن أخلص فى نهاية ما أكتب إلى حلول أو مقترحات فالموقف الحالى فى مصر معقد بأكثر ما يمكن معه أى تحليل فردى الخلوص إلى قرأة واضحة ونهائية سليمة أو حلول للخروج من الأزمة، فالكل يرى نذر يسير من الحقائق وأغلبها مخفى، ولذا فأنا هنا أحاول فقط قراءة وسرد المشهد المتشابك بقدر ما أستطيع رؤيته

والواضح أن فى مصر الآن ثلاث قوى رئيسية تقف على مسافات مختلفة من الاتفاق والاختلاف وحتى العداوة وتحاول أن تجد مكاناً فاعلاً فى مصر ما بعد الثورة، كما يتباين موقفهم من الثورة نفسها

والقوة الأولى هى بالطبع المجلس العسكرى وهو يستمد شرعيته – كما يقول – من الاستفتاء، فقد دعى إلى الاستفتاء وقد قبل الناس دعوته ويستند فى تلك الشرعية حقيقة إلى قوة السلاح، وهو بكل الشواهد على مدار العام الماضى لا يعترف بالثورة وإن قال عكس ذلك، بل يعتبرها انتفاضة لتصحيح بعض الأوضاع التى اختلت فى عهد مبارك وإنهاءً لمشروع التوريث، أما النظام القائم على سيطرة الجيش – وعلى رأسه المجلس العسكرى – على مقاليد السلطة والاقتصاد فإنه يسعى إلى إبقائه أو إعادة إنتاجه فى زى جديد ولذا فإن هدفه فى المرحلة الحالية هو إيجاد وضع خاص له فى الدستور القادم للبلاد

والقوة الثانية هى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسى حزب الحرية والعدالة وبالنسبة لهم فإن الثورة قد انتهت فى 11 فبراير بسقوط مبارك والأهم بفتح المجال أمامهم للعمل السياسى بحرية ولذا فقد سعت من اللحظة الأولى لإيجاد شرعية لنفسها عبر انتخابات مجلس شعب تعلم تماماً أنها تستطيع حصد أغلب مقاعده فى ظروف غياب أى قوى حزبية أخرى منظمة بالقدر الكافى فى مصر فى الوقت الحالى وقد حدث بالفعل أنها الآن تمثل القوة الأكبر فى البرلمان وتستمد شرعيتها من الشعب مباشرة وتستند على قوتها التنظيمية والتعاطف الشعبى معها، وهدفها فى المرحلة الحالية هو تصدر المشهد السياسى وأن تصبح القوة السياسية التى لابد من التحالف معها لتمرير أى قوانين بل وحتى إضافة أو حذف أى مادة أو حتى كلمة فى الدستور

أما عن القوة الثالثة فهى المجموعات الثورية وما يساندها من أحزاب من أقصى اليمين الليبرالى إلى أقصى اليسار الاشتراكى  بالإضافة إلى جموع المتعاطفين مع الثورة والمؤمنين بها وهؤلاء هم من فجروا الثورة وهدفهم القضاء على النظام الحاكم وكل أشكال فساده والتأسيس لدولة ديموقراطية مدنية تحترم الحقوق والحريات ولا تحمل على كتفيها أى من أثقال الماضى. وللأسف تلك القوى الثورية/السياسية تفتقر إلى أربع ركائز هامة وهى التنظيم والهيكل والخبرة والكوادر سواء ثورية أو سياسية، وهذا يضعها فى موقف ضعيف خصوصاً وأن شرعيتها التى اكتسبتها بالثورة يتم سحبها – أو تم سحبها – بشرعية انتخابات نيابية شعبية أتت بممثلين مختارين من الشعب، كما تراجعت شعبيتهم بإمعان السلطة فى إلصاق غياب الأمن والتدهور الاقتصادى بهم، ويبقى فقط لهؤلاء الاستناد إلى صحة موقفهم ومبادئهم الثورية، كما أنه فى بعض الأحيان يكون غياب الهيكل والتنظيم فى مصلحتهم من حيث إتاحة حرية الحركة للمجموعات وصعوبة السيطرة على هياكل عنقودية يتخذ كل منهم موقفه على حده

ويبقى فى الصورة قوى أخرى يكون البعض منها ثانوى أو يتعذر معرفة دور البعض منها وتحديداً نتكلم عن دور السلفيين وعلاقتهم بالدول الخليجية والدور الأمريكى الذى لا يمكن إلا أن يكون فى حقيقة الأمر فى قلب الأحداث ولكن يتعذر معرفة تحركه أو هدفه الحقيقي أو علاقاته الحقيقية ببقية القوى إلا أنه فى تصورى من أخطر الأدوار وأخطر اللاعبين

أما عن العلاقة بين تلك القوى فأقل ما يقال عنها أنها متشابكة ومعقدة والحقيقة الواحدة التى يجب أن تكون واضحة للجميع هى أنه لا تستطيع أحد تلك القوى السيطرة على القوتين الأخريين، كما أنه فى حالة تحالف قوتين تكون القوة الثالثة فى مهب الريح وأقرب إلى السقوط. إلا أن تحالف قوتين من الثلاث ليس بالأمر الهين، فأسباب الشك وفقد الثقة بين جميع الأطراف موجودة، كما أن الكثير من المصالح متضاربة وإيجاد التوازن والتراضى المناسب بين أى قوتين يحتاج إلى عمل شاق ومضنى

إن العلاقة فى الوقت الحالى بين المجلس العسكرى والثوار مقطوعة تماماً إلا من بعض النخب التى تحاول جاهدة جذب المجلس العسكرى بعيداً عن الإخوان المسلمين وذلك نابعاً من الإسلاموفوبيا التى فى حقيقة الأمر لها مبرراتها من ممارسات الإخوان، أما الكتلة الأكبر من القوى الثورية فهى ببساطة تريد إسقاط المجلس العسكرى والتفاوض معه هو أمر مرفوض تماماً فبينهم وبينه الآن “دم” وبالأخص منذ مذبحة ماسبيرو مروراً بأحداث محمد محمود وأخيراً أحداث مجلس الوزراء. ومن ناحيته فإن المجلس العسكرى ليس على استعداد حقيقى للتفاوض، فهو يعلم أن تلك القوى الثورية ليست على استعداد لتقديم أى تنازلات وفى حقيقة الأمر فهى ليست موحدة وليس لها حقيقةً من يمثلها مجتمعة. الجدير بالذكر أن تلك العلاقة المقطوعة بينهم تضعف موقفهم التفاوضى مع الإخوان المسلمين على طاولة المفاوضات لانها تجعل الإخوان الطرف الوحيد الباقى للتفاوض

أما علاقة الإخوان المسلمين بالثوار فهى علاقة يشوبها الكثير من الشك من ناحية الثوار، فهؤلاء الذين كانوا رفقاء الكفاح خلال الثمانية عشر يوماً تكشف أنهم بينما كان شبابهم فى الميدان بجانب الثوار، كانت قياداتهم تحاول عقد صفقة سياسية مع النظام فى أكثر من لقاء مع رموز النظام الفاسد كما أنها ارتمت فى أحضان المجلس العسكرى وعقدت صفقة معه فور تنحى مبارك أدت بالثورة إلى الخروج عن مسارها الصحيح – من وجهة نظر الثوار – وهذا فى مقابل مكاسب سياسية تتمثل فى مقاعد برلمان. أما من ناحية الإخوان فإنهم يحاولون بين حين وآخر التواصل مع تلك القوى الثورية ومد جسور قد يحتاجونها فى حال تعذر التفاوض مع المجلس العسكرى بعد الانتخابات النيابية. والمشكلة الحقيقية للقوى الثورية هى أنها الأضعف فى الموقف التفاوضى بعد اكتساح الإخوان للانتخابات وانعدام خط رجعة تفاوضى بين الثوار والعسكر، فيبقى الاختيار للثوار بين الإخوان بشروط الإخوان أو لا شيئ

ويتبقى العلاقة بين المجلس العسكرى والإخوان وهى العلاقة الأكثر إلتباساً وتعقيداً، فهم تاريخياً أعداء، ومرحلياً انتهوا من الشراكة النفعية بانتهاء الانتخابات وحانت لحظة تضارب المصالح، وبرغم وجود اتفاق مسبق لتوزيع الأدوار فإن المجلس العسكرى حاول أخذ موقع متميز فى الدستور يسمح له بامتيازاته الحالية وأكثر وكان هذا فى وثيقة السلمى، غير أن الإخوان المسلمين نظموا تظاهرة ضخمة ضد الوثيقة أدت إلى نهايتها واقعياً، وفى حين يعتبر البعض هذا بداية لتصادم حتمى بين الإخوان والمجلس العسكرى حول صلاحيات المجلس العسكرى فى الدستور القادم، فإن البعض يعزو تلك الخطوة من الإخوان إلى أنها فقط رسالة تحذير للمجلس العسكرى أنه لا يجب أن يتفاوض مع الأحزاب السياسية الأخرى أو الخروج بأوراق أو مواقف بدون التفاوض مع الإخوان ولكن هذا لن يؤدى بالإخوان إلى التصادم الكامل مع المجلس العسكرى ولكنه يريد أن يستأثر بالمفاوضات معه حول مرحلة ما بعد الانتخابات وكتابة الدستور. وتظل محاولات المجلس العسكرى فى تقوية موقفه التفاوضى بإنشاء المجلس الاستشارى الذى ليس له محل من الإعراب دستورياً ولكنه شيئ مواز لمجلس الشعب تغلب فيه القوى المدنية على التيار الدينى، كما أن الشواهد تقول أن المجلس العسكرى دعم التيار السلفى متمثلاً فى حزب النور فى انتخابات مجلس الشعب فى مقابل الإخوان، وقد كانت أكثر مكاسب حزب النور خصماً من رصيد الإخوان وليس أى تيار آخر، كما أن الكثيرون يعرفون أن التيار السلفى هو فى الأصل صنيعة جهاز أمن الدولة وسلاحه فى الحد من نفوذ الإخوان المسلمين قبل الثورة
وحقيقة الأمر أيضاً فإن الممارسات الوحشية للمجلس العسكرى ضد الثوار والتى يتم فضحه بها الآن تضعف من موقفه التفاوضى مع الإخوان المسلمين المنتخبين شعبياً لأنها تخصم من تعاطف الشعب مع المجلس العسكرى، كما أنها تخصم من رصيد الثوار لأنهم فى صدارة المشهد الفوضوى الدموى الآن، ويبقى الإخوان الذين يقفون على جانب الأحداث الطرف الأكثر حكمةً وسلميةً فى نظر الغالبية العظمى من الشعب. وواقعياً فإن الثوار يجهدون المجلس العسكرى فى حرب من أجل الحرية ولكن أيضاً نيابةً عن الإخوان المسلمين الذين وبدون عناء يحصدون أوراق لعب أكثر أمام المجلس العسكرى

يبقى بعداً لا يلتفت الكثيرين إليه وهو البعد الدولى أو بالأخص الأمريكى، وبغير معلومات متاحة، فكل ما يكتب عن هذا هو محض تكهنات، ولكن هناك بعض شواهد أن الولايات المتحدة لا تود أن يصل الموقف إلى صدام بين المجلس العسكرى والإخوان ولكنها تؤيد صفقة يتحالف فيها المجلس العسكرى والإخوان للإجهاز على الثورة وإعادة انتاج النظام القديم التابع ولكن على شاكلة النموذج الباكستانى، طرفان متضادان يحاولان التعايش سوياً ولكن فى حالة دائمة من عدم الاستقرار والجذب والشد، إلا أن هذا التصور بالطبع يبقى محض تكهن لافتقاره لأى أسانيد معلوماتيه

وفى المحصلة النهائية نستطيع القول أن على الثوار اختيار أحد الطرفين ومحاولة التفاوض معه والوصول إلى صفقة تكفل الحقوق والحريات وقواعد سليمة للحياة الديموقراطية من خلال دستور متوازن يضمن تلك الحقوق والحريات، أو المضى بلا مساومات والرهان على الشارع والشعب إلى النهاية فى محاولة الوصول بالثورة لإسقاط النظام والحيلولة دون قيام نظام فاشى آخر يستخدم الدين فى تسييرالشعب والسيطرة عليه ويقف عائقاً أمام الديموقراطية الحقيقية والحقوق والحريات العامة

إن محاولة فهم الموقف الحالى شديدة الصعوبة بكل ما يمتلئ به المشهد من تعقيدات وتشابكات وتضارب مصالح وبالأخص فى غياب معرفة الدور الحقيقى لبعض اللاعبين الأهم فى المشهد مثل الولايات المتحدة والمخابرات العامة المصرية وجهاز أمن الدولة بفصيليه، الفصيل الذى يعمل رسمياً تحت غطاء وزارة الداخلية والمجلس العسكرى والآخر الذى مازال يتبع القيادة القديمة، ولذا فأنا أتمنى فقط أن أكون قد استطعت فض التشابكات ووضع القوى وأدوارها وأهدافها فى صورة بها بعض الوضوح لـ ثلاث قوى فعالة

More Posts - المزيد من المقالات

  • حكاية ثورتين كانت أوروبا قبل الثورة الفرنسية مقسمة إلى ممالك لا دول وطنية ترسم حدودها حول شعوب بعينها وفي العادة لم يحكم الشعوب ملوك من أوطانهم. وقد حاول "بونابرت" بعد غزوه لأوروبا إقامة دول وطنية […]
  • Europe & The DAESH Within “One day not very far, Europe will wake up to a nightmare”. I made this comment to friends during a 2012 visit to Europe. They swiftly dismissed it. Yet just two years later, with DAESH […]
  • Climate Change & Social Media: Redefining ‘Realism’ A response to “Unraveling the Enigma: Western Expert Community Seeks to Explain Russian Policy" by Dr. Igor Istomin published April 8, 2015 by the Russian International Affairs […]
  • With You, There A revolution is happening in the United States in the wake of the shooting death of Michael Brown, 18, of Ferguson, Missouri on 9 August 2014. There is a meaningful, calm and […]
facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

Leave a Reply

Kemety Think Bank © 2016 Frontier Theme