ثورة أهداف لا مطالب

facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

 

إن الثورات فى التاريخ كانت تقوم لتسقط أنظمة قائمة وتنهى حالة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية استحال العيش فى ظلها وبات التغيير حتمى. وكان الثوار يسيطرون على المشهد السياسى ويصلون إلى الحكم ومن خلال بناء نظام جديد يعملون على تحقيق أهداف الثورة التى غالباً ما تغير جذرياً المشهد السياسى والاجتماعى والاقتصادى فى محاولة لتلبية تطلعات الشعوب ومطالب التغيير.

فى حالة ثورتنا المصرية لم يسيطر الثوار على المشهد السياسى ولم يصلوا إلى سدة الحكم بل وثقوا فى ركن أساسى من أركان النظام الذى ثار الشعب عليه وهو المؤسسة العسكرية بعد أن انفردت تلك المؤسسة بالمشهد السياسى وقامت بتولية نفسها حاكماً على البلاد. وقد اعتقد الثوار أن المجلس العسكرى سوف يكمل الثورة بإسقاط النظام القديم وتحقيق أهداف الثورة من إنهاء لبوليسية الدولة، القضاء على التعذيب وإعادة كرامة المواطن، إطلاق الحريات، القضاء على الفساد بكافة أشكاله السياسية والاقتصادية ومحاكمة رموزه وأعوانه، وعلى قائمة أولويات الأهداف بالقطع الاتجاه بخطاً حثيثة نحو العدالة الاجتماعية والانحياز للأغلبية الفقيرة المعدمة.

وبالرغم من مزاعم ووعود المجلس العسكرى بالانحياز لثورة الشعب والإيمان بمطالبه فإن المجلس العسكرى قد عمل جاهداً وبطريقة ممنهجة على إنهاء الحالة الثورية واختزال الثورة إلى عملية إصلاح مشوهة. وقد كان الهدف الأول من الاستفتاء هو انهاء الحالة الثورية وتقسيم الشعب إلى فريقين لـ”نعم” و “لا” يتبعه تقسيماً أعمق فى انتخابات برلمانية تكون الأهم فى تاريخ مصر لأن نتيجتها تحدد مسار الدستور المصرى الجديد. ولم تشتمل خطة المجلس العسكرى بل ولم تتطرق حتى من بعيد إلى القضاء على الفساد وإسقاط النظام القديم بل إنه دافع باستماتة عن حكومة شفبق وكل رموز الحزب الوطنى والنظام القديم بها، بل إنه وتحت ضغط شعبى كبير فى طلب وزارة جديدة قد أتى بوزارة نصف وزرائها من المحسوبين على النظام السابق، وأما الأكثر سوءاً هو عدم البدء فى محاكمة رموز النظام القديم والرئيس المخلوع إلا بعد ضغط شعبى هائل وهى حتى الآن محاكمات صورية، وفى الحقيقة وبالرجوع لكل أحداث الستة أشهر الأخيرة فإن المكاسب البسيطة للشعب وثورته بعد تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد جاءت كلها بالضغوط الشعبية فى الميادين ولهذا دلالات كثيرة أهمها إثنان.

أولاً أن المجلس العسكرى قد وضع نفسه فى موضع الرئيس المخلوع حين حول أهداف الثورة إلى مطالب شعبية بدلاً من أن يضطلع بمسئوليته وعهوده بحماية الثورة والعمل الحثيث على تنفيذ تلك الأهداف نيابةً عن الشعب الثائر الذى أولاه ثقته، إن هذا الوضع واستمراره لستة أشهر كاملة خلق أزمة ثقة بين الثوار والمجلس العسكرى وصل إلى حد المناداة بإسقاطه وهتافات تقول أن المجلس هو مبارك.

وثانياً والأهم هو أن الثوار والنشطاء السياسيين حتى الآن قد انساقوا وراء المجلس العسكرى فى خطته لتحويل الثورة إلى مجرد عملية إصلاح هرئه تعيد انتاج النظام القديم فى حلة جديدة، فعلوا هذا حين قبلوا بتسمية أهداف ثورة الشعب مطالب واللهاث وراء محاولة التفاوض عليها مع المجلس العسكرى. فإنه من المعلوم تماماً أن الكلمات تحمل معانى والمعانى ترسخ واقع فى الوعى المجتمعى تبنى عليه مواقف وآليات تعاطى ولذا فإن تبنى النشطاء لكلمة مطالب هو انتكاسة فكرية وانتكاسة للثورة، فكلمة مطالب بما تعنيه من وجود من هو يملك سلطة فوق الشعب يقبل بها ويتمنع عن تنفيذ مطالبه ترسخ موقف ضعف فى عقول النخب والنشطاء والشعب بأكمله وتطمس روح الثورة الحقيقية فى التحرك الشعبى وآليات التعاطى مع الأحداث. إنها المرة الأولى تاريخيا التى يكون فيها للثورة “مطالب”، الثورات لها أهداف، وحين نحول الأهداف إلى مطالب فإننا نختزل الثورة إلى إصلاح، لا أفهم أن يقول البعض على أنفسم ثوار وهم يطلقون على أهدافهم مطالب، إنه السفه الثورى أن نختزل أنفسنا إلى مجموعات إصلاحية ونخذل الشعب.

أنها إذاً أهداف وليست مطالب، لابد أن نغير لغتنا لتتغير طريقة تفكيرنا فنستطيع تغيير واقعنا، يجب علينا أن نحشد الشعب وراء أهداف يعمل جاهداً بنفسه على تحقيقها لا مطالب يعول على مجلس عسكرى فى تحقيقها ويمانعه المجلس فى تحقيقها. وحقيقةً فقد سبق شعب الميدان النشطاء والنخب الذين التهوا بالدستور والانتخابات والمطالب والتفاوض وبدأ الشعب فى المناداة بسقوط المجلس العسكرى الذى أخفق فى حماية الثورة وعمل جاهداً على إنهاء الحالة الثورية ولم يعمل من نفسه على تحقيق أى من أهدافها خلال الستة أشهر المنصرمة والتى كانت من الممكن أن تكون حاسمة فى تاريخ هذا الوطن.

إنه لواجب علينا جميعاً الآن إذاً أن ننفض عنا كثوار تلك المفردات والدعاوى والممارسات الإصلاحية التى وقعنا فيها طيلة الفترة من 11 فبراير وحتى الآن، يجب أن نسعى جاهدين ونحشد الشعب وراء أهداف لابد وأن نحققها مهما تكلف الثمن ومهما كانت المعوقات والممانعين. فإننا وقد فطنا خلال ستة أشهر إلى أن المجلس العسكرى لا يبذل أى جهدٍ ولا يسعى إلى تحقيق أهداف الثورة وجب علينا أن نفكر فى طريقة نستطيع بها تحقيق أهداف الثورة من دونه، فإما أن نضغط فى اتجاه تحجيم دوره وتحديد صلاحياته وإفساح المجال لوزارة إنقاذ وطنى ثورية ذات صلاحيات واسعة تستطيع تشريع قوانين وتطهير جميع مؤسسات الدولة وتحقيق أهداف الثورة، وإما الطريق الآخر وسوف يكون الأصعب لنا وللمجلس العسكرى وهو الضغط ناحية سقوط شرعية الإعلان الدستوى والمجلس العسكرى والمناداة بمجلس رئاسى مدنى ثورى يأخذ ذمام الأمور ويأخذ أهداف الثورة على محمل الجد.

إن الوضع الآن قابل جداً للتصعيد والاشتعال ويجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحلى بالحكمة التى افتقدها الرئيس المخلوع من قبله واتخاذ الخطوات الصحيحة فى اتجاه مناصرة الثورة أو إفساح الطريق لسلطة أخرى تعمل على تحقيق أهداف الثورة يوفر لها المجلس العسكرى الأمن والحماية والمساندة. إن الفرصة الآن سانحة للمجلس العسكرى لدخول التاريخ من البوابة المشرقة فهل يقوم بالاختيار الصحيح ويحول وجهته من معوق للثورة ومختزل لأهدافها فى مطالب إصلاحية إلى مناصر حقيقى وعامل مؤثر فى نجاحها وتحقيق أهدافها؟

والنشطاء، هل يفيقوا من كبوتهم ويلحقوا بشعب الميدان الذى وعى إلى أن ثورته تسرق فنزل يعمل على تحقيق أهداف ثورته، أم سيبقون لاهثين وراء المجلس العسكرى والحكومة، رافعين مطالب ومتعثرين فى مفاوضات؟

هل سيستفيق الجميع ويعون أنها ثورة أهداف لا مطالب؟

 

More Posts - المزيد من المقالات

  • حكاية ثورتين كانت أوروبا قبل الثورة الفرنسية مقسمة إلى ممالك لا دول وطنية ترسم حدودها حول شعوب بعينها وفي العادة لم يحكم الشعوب ملوك من أوطانهم. وقد حاول "بونابرت" بعد غزوه لأوروبا إقامة دول وطنية […]
  • Europe & The DAESH Within “One day not very far, Europe will wake up to a nightmare”. I made this comment to friends during a 2012 visit to Europe. They swiftly dismissed it. Yet just two years later, with DAESH […]
  • Climate Change & Social Media: Redefining ‘Realism’ A response to “Unraveling the Enigma: Western Expert Community Seeks to Explain Russian Policy" by Dr. Igor Istomin published April 8, 2015 by the Russian International Affairs […]
  • With You, There A revolution is happening in the United States in the wake of the shooting death of Michael Brown, 18, of Ferguson, Missouri on 9 August 2014. There is a meaningful, calm and […]
facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

6 Comments

Add a Comment
  1. جبت من الآخر! مقال ممتاز

  2. لا زم يوعى الشعب المصرى كله للخطط التى يرمى بها المجلس العسكرى للاحتفاظ بالحكم وتحويل رئيس مصرى منتخب او رئيس حكومة الى اراجوز فى يده . المطلب لا زم يكون واضح ومن غير تردد لا لحكم العسكريين لمصر والجيش المصرى وطنى ومن الشعب ولا داعى للخلط بينالامور ولكن كفاية 60 سنة حكم عسكر من ورتاء الكواليس من سفراء الى محافظين واللى يحمل رتبة لواء لما يتقاعد يحصل منصب سياسى ليش البلد حقهم بس

  3. Enas El-Fallal

    حكاية المطالب دى صح …… المجلس العسكرى جه عشان ينفذ الى أحنا عايزينه مش اللى هو عايزه .بس أحنا دى مين ؟؟؟؟ الناس مختلفه على مسألة أذا كان ثوار التحرر بيعبروا عن الشعب كله ولا لأ .أنا رأى انهم بيعبروا عن الصح و اللى المفروض يكون بس حالة الخضوع اللى الشعب عاش فيه لسنين خلته عامل زى الأسد اللى اتاخد من الغابه و هو قوى و حازم و صوت زئيره بيرج الغابه و تربى فى سيرك فبقى خاضع ,مذلول و شايف أنه مالوش حق يزئر لما الحال ميعجبوش …..الثوار هم زئير الأسد اللى معظم المصريين نسيوا انهم يقدروا عليه

  4. Amazing article, lots of intersting things to digest. Very informative

  5. Thank you very much for that wonderful article

  6. Thank you for your website! I really like what you’re posting here.

Leave a Reply

Kemety Think Bank © 2016 Frontier Theme