مصر واقعة الآن بين مطرقة العسكر وسندان الإسلاميين وفي محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة خرجت علينا النخبة بأكثر من خمس مما يسمى بالتيار الثالث، من تحالفات انتخابية إلى جبهات ثورية وظني أنها كلها بالأكثر لا تتعدي الفرقعات الإعلامية. وفي غمرة التخبط السياسي كنت قد تقابلت مصادفة بصحفي في البي بي سي يعيش في لندن وكان له تحليلاً مفاده أن تاريخياً ومنذ بداية عصر النهضة على يد محمد علي – بإرساله بعثات تعليمية لأوروبا – وحتى الآن فإن النخبة المصرية صنيعة الحاكم ولا تمتد جذورها للعامة وتختلف رؤيتها ومطالبها وتنفصل عن الواقع والاحتياج الشعبي، ضف لهذا أربعين عاماً من التجريف السياسي فتصل إلى واقع مأسوي لنخبة لا تستطع أن تنشئ تياراً ثالث ينافس الإسلام السياسي والنظام الحالي، فضلاً عن تيار بديل يتحمل مسئولية دولة بحجم مصر ومشاكلها وأثقالها. لم أحدد رأياً قاطعاً فيما قاله لي وقتها ولكني بعد تفكير ومراجعة لما رأيته في الثماني عشرة شهر الماضيين بدأت أتقبل الفكرة وأرى وجاهتها وحينئذ بدا لي طريق الحل والانتصار للثورة والخروج من ثنائية العسكر والإخوان طريقاً مغلقاً ومستحيلاً إذا ما استمرينا في محاولة إيجاده في فضاء النخبة الحالية.
وفي زيارة لألمانيا مؤخراً علمت عن تجرية هامة في التاريخ الحديث وكانت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وكانت ألمانيا مدمرة ومنهكة بعد الحرب والمثير للإعجاب هو ما فعلته العائلات الكبيرة ذات الثراء في ألمانيا بعد الحرب، حيث اجتمعت وتباحثت فيما بينها واتفقت على هدف واحد وهو إعادة بناء ألمانيا والاقتصاد الألماني وكان هذا منتهى الوطنية ولا أبالغ إن قلت أن مشروع مارشال الأمريكي لم يكن لينجح في مساعدة ألمانيا بدون الرأسمال الوطني والطبقة الوسطى التي أدارت البناء والطبقة العاملة التي تحملت عناء البناء، فضلاً عن حكومة وطنية تعلمت من أخطاء الديكتاتورية النازية وأسست لديموقراطية حقيقية لاتسعى للسيطرة والمغالبة والاستحواذ، مناخ ديموقراطي صحيح استطاع أن يفرز نخبة جديدة من المستويات القاعدية لا تنتمي للحزب أو الفكر النازي وتؤمن بالحرية والسلام.
خمس محاور رئيسية رأيتها في تلك التجربة هي المفتاح لطفرة حقيقية في أداء مصر ومستقبلها وثورتها، كلها مترابطة ومتعاونة وذات هدف موحد، بناء نخبة جديدة تفرز من على المستوي القاعدي بمجهود الطبقة الوسطى في التواصل والتنظيم والتجذير مع الطبقة العاملة والفقيرة والمعدمة بمساعدة وتمويل من طبقة رأسمالية وطنية تسعى لأن تعيش بين الشعب وتنميه بدلاً من أن تنعزل عنه داخل جدران عالية لا تعبر إلا عن الخوف أو الازدراء، وحكومة تسعى لبناء ديموقراطية حقيقية ليس إرث نظام يتهاوي والتأسيس لثيوقراطية فاشية على شاكلة التجربة النازية.
أزعم أن على الطبقة الوسطى مسئولية الأخذ بالمبادرة والبدء في صياغة مشروع يحمل تلك الأركان الخمسة ويسعى لبناء نخبة جديدة تفرز نفسها من على مستوى القاعدة وتعليمها وتهيئتها لتحمل مسئولية الدولة. الطبقة الوسطى هي عادة ما تكون القاطرة الأولى في قطار النمو والتقدم ولذا يجب علينا تحمل المسئولية ومخاطبة باقي أركان المكون الشعبي وحثه على المشاركة والبناء، بناء يبدأ من على مستوى القاعدة.
1 Comment
Add a CommentLeave a Reply
You must be logged in to post a comment.
Logical but hiw will the middke class do this? It fas to be united in a party or a syndicate