وهم إسقاط النظام

facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

أفزع دائماً حين أسمع أحداً يقول أن أهداف الثورة هى إسقاط النظام، إختزال مخل ومهين لثورة شعبية خرج فيها الملايين أملاً فى غد أفضل. إن أهداف الثورة والآمال التى خرج الملايين من أجلها هى الحياة بكرامة، العيش بحرية بلا خوف من قمع أو قيود، حياة كريمة يستطيع فيها الفرد كسب قوته والعيش بغير فقر واحتياج، حياة يجد فيها مأكل وملبس ومشفى لا يمن بهم أحد عليه. إسقاط النظام ما هو إلا خطوة أولى فى سبيل ذلك تتبعها بلل وتتوازى معها خطوات ومسارات إحلال هذا النظام بنظام آخر يؤمن بتلك الأهداف ويسعى لتحقيقها والحقيقة أن إسقاط النظام لا ولن يحدث إلا بإحلال نظام آخر مكانه

وللأسف ونحن فى غمرة “الحالة الثورية” تغيب عن أعيننا الكثير من الحقائق، أولها أنه لا يسقط نظام فى الحقيقة بين ليلة وضحاها ولا بسقوط رؤوسه، فالنظام متغلغل فى كل ركن من أركان الدولة، ليس هذا فقط، ولكن له – وهذا الأخطر – مؤسسات أمنية كثيرة تعمل على حمايته واستمراريته. إن هذه المؤسسات هى الأخطر على الإطلاق على الثورة، وخطرها الحقيقى هى أننا لا نعلم عنها وعن ما يحدث بداخلها شئ ولذا فنحن لا نملك أى وسيلة للتعامل معها أو حتى تحييدها فى ظل صراعنا مع النظام فى أشكاله التقليدية التى تعرفها. ومثل كافة المؤسسات فى النظام يجب أن يتم إعادة هيكلة وإحلال كوادرها أو تغيير وجهة تلك المؤسسات وولاءاتها لتعمل من أجل أهداف الثورة وليس من أجل الحفاظ على النظام القائم

ولكن كيف السبيل إلى ذلك ونحن لسنا فقط لا نملك من القوة والأدوات ما يمكننا من ذلك ولكننا نجهل كل الجهل أى شئ عن تلك المؤسسات القوية التى تعمل فى سرية. إن السؤال الأكثر صعوبة هو ماذا يستطيع أن يفعل مجلس الشعب أو الرئيس تجاه تلك المؤسسات، حتى ولو كان هذا الرئيس منحازاً للثورة، فهل يملك من المعرفة بدواخل تلك المؤسسات ما يمكنه من السيطرة عليها وتغيير ولائها. إن النظام لن يسقط وتلك المؤسسات تسانده ولن يستطيع الرئيس القادم مواجهة المجلس العسكرى دون أن يسيطر على تلك المؤسسات أو على الأقل يقوم بتحييدها وتلك ليست مهمة صعبة بل إنها شبه مستحيلة. مؤسسات أنشأها ويعمل بها منذ 60 عام عسكريون مطلوب منهم الآن تغيير ولائهم من المجلس العسكرى لرئيس مدنى، فى حين أن هذا الرئيس المدنى لا يعلم عنها إلا النذر اليسير، فكيف السبيل؟

أزعم – وأعلم أن كثيرون سيختلفون معى فى هذا بل وسيتهموننى بالخيانة – أن الحل الوحيد لتلك المعضلة  يجب أن يأتى من الداخل، أو أن يكون الرئيس القادم مؤمن بأهداف الثورة ويعلم ما يكفى عن دواخل تلك المؤسسات وكوادرها ولديه من الخبرة والحنكة السياسية ومن القوة ما يمكنه من إعادة هيكلة تلك المؤسسات أو تغيير وجهتها نحو أهداف الثورة بدلاً من حماية النظام القائم، والأهم هو تهيئتها لتقبل فكرة الانصياع لرئيس مدنى قادم. كما أنه فى صراعه مع المجلس العسكرى على السلطة يجب أن يستطيع على الأقل تحييد تلك المؤسسات أو السيطرة عليها إذا لزم الأمر. ولذا فإن نظرتى لمرشحى الرئاسة تأتى من زاوية مختلفة ولست مشغولاً تماماً ببرامجهم الانتخابية فهم لن يستطيعوا تنفيذ أى منها فى ظل الوضع القائم، فالرئيس القادم عليه فى الحقيقة مجابهة المجلس العسكرى وجزء كبير ومهم فى عمله سيكون السيطرة عليه أو التخلص من سيطرته على مقاليد الحكم والسيادة على الدولة دون أن تدخل البلد فى دوامة عنف وفوضى فى صراعه معهم، تماماً مثلما حدث حين أراد السادات إنهاء الحقبة الناصرية والقضاء على كوادرها ورموزها فيما عرف بقضية مراكز القوى. أرى إثنين فقط لديهم القوة والحنكة والمعرفة الكافية للقيام بذلك، أحدهم خارج .السباق الرئاسى والآخر مازال بداخله

إن ما يقوم به “الثوار” من تظاهرات وفعاليات ما هى إلا وسيلة للضغط على النظام القائم لتقديم بعض التنازلات ولكنها لا تستطيع فعلياً إسقاط النظام، فللنظام ألف وجه وإن أسقطت التظاهرات أشخاص المجلس العسكرى فهناك ألف وجه آخر وهناك ألف خطة بديلة، ولنا فى ما حدث مع مبارك عبرة

إن الضغط على النظام القائم واجب ومهاجمته والتظاهر ضده مفيد ولكن دعونا لا نسرف فى تخيلاتنا أن ذلك كاف ونعيش فى وهم إسقاط النظام، فالنظام لن يسقط إلا بإحلاله، فهل لدى الثوار المقدرة أو المعرفة أو السبيل لإحلاله؟

@kemety

Hit Counter

More Posts - المزيد من المقالات

  • حكاية ثورتين كانت أوروبا قبل الثورة الفرنسية مقسمة إلى ممالك لا دول وطنية ترسم حدودها حول شعوب بعينها وفي العادة لم يحكم الشعوب ملوك من أوطانهم. وقد حاول "بونابرت" بعد غزوه لأوروبا إقامة دول وطنية […]
  • Europe & The DAESH Within “One day not very far, Europe will wake up to a nightmare”. I made this comment to friends during a 2012 visit to Europe. They swiftly dismissed it. Yet just two years later, with DAESH […]
  • Climate Change & Social Media: Redefining ‘Realism’ A response to “Unraveling the Enigma: Western Expert Community Seeks to Explain Russian Policy" by Dr. Igor Istomin published April 8, 2015 by the Russian International Affairs […]
  • With You, There A revolution is happening in the United States in the wake of the shooting death of Michael Brown, 18, of Ferguson, Missouri on 9 August 2014. There is a meaningful, calm and […]
facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmailfacebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail

1 Comment

Add a Comment
  1. وجهة نظر تحترم….بس مين يضمن ان الرئيس ده ولاءه لأهداف الثوره و عنده رغبه في اسقاط النظام !!!

Leave a Reply to a7md Cancel reply

Kemety Think Bank © 2016 Frontier Theme